إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

لوموا أنفسكم قبل أن تلوموا الغرب

علي عويض الأزوري

تنتشر تغريدات مضمونها أن المجتمع الخليجي مستهدف وأن الانحلال الأخلاقي يتم تصويره في بيئتنا ومن أبناء جلدتنا، وخير مثال على ذلك المسلسلات الرمضانية والأفكار التي تبثها بين الأجيال الناشئة التي تتشرب من الأفكار الغربية المنحرفة؛ علقت على ذلك الكلام:

إذا كان المجتمع الخليجي مستهدف لماذا يرضى بالخنوع؟

لماذا وزارات الإعلام لا تتدخل؟

والملاحظ أن مالكي تلك القنوات التي تنشر (الرذيلة) ليسوا غربيين أو أجانب، إنهم كما يقال (منا وفينا).

إحدى تلك القنوات في 2020 على ما أظن وصل عدد المشاهدات في رمضان على جميع قنواتها 8 مليار، وهذا يعني أن هناك متابعة ضخمة لما تبثه تلك القناة. إن الرقم 8 مليار في شهر واحد يزيد عن تعداد سكان الأرض بمليارين، والثمانية مليار عرب ومسلمون؟!.

ابحث عن الإسلام ولا تبحث عنه في المساجد وصلوات التراويح وأعداد المعتمرين، وإنما في قلوب من يصطفون للصلاة، ومن يلبسون ثياب الإحرام.

القضية كبيرة وتحتاج إلى مواجهة ومعالجة تبدأ من البيت ثم الشارع ثم المسجد ثم المدرسة ثم …

– حدث نقاش بيني وبين بعض الأصدقاء الذين ما زالوا يلقون باللوم على الغرب ويؤمنون بنظرية المؤامرة إلا صديقي ربيع الذي كتب معلقًا:

“عام ١٩٧٢ في السنة الثانية في كلية التربية كانت تُدرس لنا مادة اسمها: المجتمع الإسلامي المعاصر، وفي إحدى المحاضرات كان الموضوع: تخلف المجتمع الإسلامي المعاصر وسببه ابتعاد المسلمين عن دينهم.

رفعت يدي سائلا: لماذا ابتعد المسلمون عن دينهم؟

حار المحاضر ولم يجد إجابة سوى: الاستعمار.

سألت: ولكن لا تُستعمر سوى أمة ضعيفة أصلا؟

أجاب: إنه الغزو الفكري قبل الاستعمار.

قلت: ولم لا يعود المسلمون لدينهم عاجلًا ليعودوا أقوياء؟

قال: هذا ما نأمله منكم أيها الجيل الجديد.

هرب المحاضر وتبين خضوعه وخنوعه ورضاه بالابتعاد عن الدين وحمّل الأجيال القادمة مسؤولية العودة إلى الدين ليكون لهذه الأمة قوة، ونسي أنه قدوة لتلاميذه”.

(يقول بن خلدون في الفصل الثالث والعشرون أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده:

والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إمّا لنظره بالكمال بما وقر [١] عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتّصل لها اعتقادا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبّهت به وذلك هو الاقتداء أو لما تراه والله أعلم من أنّ غلب الغالب لها ليس بعصبيّة ولا قوّة بأس وإنّما هو بما انتحلته من العوائد والمذاهب تغالط أيضا بذلك عن الغلب وهذا راجع للأوّل ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتّخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبّهين بهم دائما وما ذلك إلّا لاعتقادهم الكمال فيهم وانظر إلى كلّ قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زيّ الحامية وجند السّلطان في الأكثر لأنّهم الغالبون لهم حتّى أنّه إذا كانت أمّة تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التّشبّه والاقتداء حظّ كبير كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة فإنّك تجدهم يتشبّهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتّى في رسم التّماثيل في الجدران والمصانع والبيوت حتّى لقد يستشعر من ذلك النّاظر بعين الحكمة أنّه من علامات الاستيلاء والأمر للَّه.)

ما يقوله ابن خلدون أن المغلوب ضعيف في ثقافته ودينه وأخلاقه، وأنه يرى الكمال في الغالب فيتشبه به في مأكله ومشربه وملبسه (شكليات). يعلم الغالب أنه سيطر على تفكير وعقل المغلوب في الشكل الخارجي وفي المنظر، لكن المغلوب يظن أن ذلك ما تميز به الغالب عنه فيتبعه في المظهر ويبتعد عن الجوهر، ويزيد الغالب من تلك الجرعات ليظن المغلوب أنه تفوق على الغالب في تبني التوافه، ويؤمن أنه أصبح منافسًا للغالب وهو لا يعلم أنه بذلك يزيد انحطاطًا وسفهًا وهو ما يريده الغالب.

إذًا.. لا ألوم الغرب ولكن ألومنا، نحن من نمشي كالقطيع بدون تفكير ولا دراية ولا وعي ونظن أننا بذلك قد توصلنا إلى قمة المجد والحضارة.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88