إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

مذكرات سائحة (1)‏

مروة الأماسي

استيقظتُ بكل حماس الساعة الخامسة والنصف فجرًا لأتم استعدادي للرحلة المرتقبة، فكل شيء لا بد أن يكون مرتبًا ولا مجال للهفوات، فالنسيان هو عدوي الأول الذي ما فتئت أخوض معه حربًا ضروسًا منذ أن بلغت العقد الثالث من عمري، وباتت ورقة الملاحظات بما يجب عليّ إحضاره أو فعله بمثابة ورقة التوت التي تستر تلك المُعضلة اليومية، فاللحظة التي أثق بها في ذاكرتي وأستغني عن ورقة التذكير تلك هي اللحظة ذاتها التي أنسى فيها شيئًا كان عليّ لزامًا إحضاره أو تنفيذه.

أنا الآن جاهزة، وبدأ العد التنازلي لموعد الانطلاق، وإذ بي فجأة أتلقى اتصالًا من رفيقة السفر مُعلنة وصولها لأخرج وننطلق سوية بسيارتها لمحطة التجمع وركوب الباص؛ لنتجه بمشيئة الله إلى وجهة تبعد عن مدينتي مسافة قصيرة، لكن باعدت بيننا أفكار وشبهات مُضللة. وبمجرد وصولنا للمحطة وجلوسنا على مقاعد الحافلة تذكرت بأنّي نسيت للأسف الشديد إحضار نظارتي الشمسية!.

تحرك الباص مع شروق الشمس وبدأت الرحلة المُنتظرة.. انشغلنا في ساعاتها الأولى بتبادل أطراف الحديث، والسؤال عن الأخبار والأحوال، ومن ثمّ انشغل كل واحد منّا بما يطربه ويُسلّيه، فمنّا من آثر الاستماع للبودكاست أو الألحان، ومنّا من آثر مشاهدة المسلسلات والأفلام، ومنّا من فضّل النوم، ومنّا من اختار الاستغراق في القراءة، ومنّا من اختار التحليق في عالم أحلام اليقظة. اختارت محدثتكم كعادتها الخيار الأخير محلّقة في عالمها الخاص، ومؤثرة تأمل المساحات الفارغة على جانبي الطريق، لكن لسوء الحظ كانت النافذة بعيدة عن ناظري، فلم أتمكن من الاستمتاع بالإطلالات الخارجية كاملة، بل اكتفيت بمساحة ضيقة من النافذة وقد غطت ستائر قماشية على طرفيها فباتت الاطلالة مُجتزئة، لذا أخرجت من حقيبتي كتابًا مملًا لم أوفق في اختياره للأسف وانشغلت بقراءته خلال ما تبقى من الرحلة.

وبعد مرور سويعات وإذ بتضاريس المكان حولنا تتغير وكأننّا انتقلنا لكوكب جديد؛ فالجبال أصبحت مختلفة الأشكال والألوان مُعلنة عن تبقّي دقائق معدودة تفصلنا عن محطة التوقف، ومع بدء اقتراب موعد الوصول بدأ منسوب هرمون الحماس والسعادة يرتفع كذلك تدريجيًّا.

وصلنا -ولله الحمد- ظهرًا وتوقفت الحافلة، ثم أُمرنا بالترجل عنها والتوجه لأول وجهة في جدول مسار الرحلة وهي عبارة عن مطعم داخل مزرعة نخيل جميلة جمعت في تصميمها بين الأصالة والحداثة، تناولنا فيها وجبتنا الأولى ألا وهي (وجبة الغداء) لتزودنا بالطاقة الكافية التي تعيننا على الاستمتاع بباقي الجولة. كانت الأطباق متنوعة وجيدة، ومُختارة من ثقافات مختلفة، لكنني تمنيت حقيقة لو كانت أطباقًا شعبية، فلمَ لا نقدم أطباقنا المحلية بحُلّة ننافس بها المطابخ العالمية. على أية حال لم يكن في الطعام المُقدّم مشكلة تستحق الذكر، لكنّ دورات المياه المحدودة والتي لا يتم تنظيفها باستمرار على الرغم من الأعداد الكبيرة من البشر الذين يتناوبون على استخدامها هي التي كانت بالنسبة لي مُعضلة عظمى!.

دُعينا لركوب الباص مرة أُخرى لننتقل للمحطة الثانية، وهنا بدأت الرحلة فعليًّا بالنسبة لي؛ فقد توجهنا لمنطقة أقل ما توصف بأنّها ساحرة تخلب اللُب وتثير الدهشة، وخاصة مع اعتدال الجو، فقد عشنا خلال ذلك اليوم بكامله أجواء طقس جميلةً وكأنّها مسرحية ملحمية يتبارز فيها فصل الشتاء وبرودته القارسة مع فصل الربيع ونسائمه الدافئة المعتدلة.

والآن وجب عليّ أن أصف لكم تحديدًا ما رأيت.. لكن تحاشيًا للإطالة سأُكمل ما تبقى من رحلتي السعيدة في مقالي القادم بمشيئة الله تعالى.

بقلم/ مروة الأماسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88