إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

نم قرير العين

مروة الأماسي

الشمس هي قلب الحياة النابض، والسّراج المتقد، والمنبه المتسلل الصامت. تشرق كل صباح لتنشر أشعتها الساطعة من خلال زجاج النافذة الشفاف فتدغدع الأجفان النائمة، وتذكر أصحابها بضرورة الاستيقاظ وتوديع اللحاف الدافيء والوسادة الطرية، وحالة الاسترخاء والسبات الهاديء؛ للنهوض واستكمال رحلة السعي الحثيث والعمل الدؤوب لتحقيق الأماني، أيًّا كانت يومًا بعد يوم بلا كلل ولا ملل.

ولكنّ قد يستيقظ المرء في بعض الأحيان بشكل مفاجئ منتصف الليل بلا شعاع نور أو نغمة منبه، وكأنّها صحوة ضمير مباغتة، يرافقها صوت هدير قطار منطلق حاملًا على متنه أطنانًا من الهواجس والمخاوف والأفكار السوداوية عن المستقبل المجهول، والتي ما تلبث أن تفتح معها أبواب التفكير المُغلقة والتي سبق أن ضاعت أقفالها ودُفنت تحت حبيبات رمال الذكريات المندثرة في دهاليز الدماغ المتداخلة، فيبدأ في نظم الشعر والقصائد الوهمية عن سوء المنقلب والمصير، وطرح أسئلة متتالية لنفسه مُغلفة بالندم والقلق ولوم النفس على التقصير.

 يطلق على هذه الحالة الصعبة اسم (أرق)، وما أرقّ الاسم مقارنة بصعوبة الصراع المستعر للعودة لوضعية النوم العميق بدلًا عن حالة الطيران والتحليق التي تصيب أدمغتنا، وما يدور فيه من تنقلات بين عوالم خيالية، وصراعات داخلية.

وقد وصلت بفضل الله بعد صولات وجولات مع الأرق إلى الوصفة السحرية الناجحة للتغلب عليه، وصفةٌ تجمع بين عمق الفكرة وبساطة التنفيذ، وضمان النتيجة وقوة التأثير في آن واحد، بشرط أن لا تعود مسبباته لأمراض عضوية جسدية حيث يتوجب حينها زيارة الطبيب المختص وصرف الدواء المناسب.

الترياق الذي يتحدى الأرق بكل بساطة هو كالتالي:

إيمان كامل متجذر في ثنايا الروح بأن الأقدار خيرها وشرها قد خُطت في اللوح المحفوظ، وبأنّ التفكير المبالغ فيه في ما قد كان أو سيكون لن يغيّر من الواقع قيد أنملة؛ فلا نشغل بالنا في تلك السويعات البسيطة في تفاصيل المشاكل التي تواجهنا، ولن نبحث خلالها عن الحلول، بل سنستعين بالنوم والراحة على ما ينتظرنا من جهد في اليقظة، وسنتذكر قول النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم مخاطبًا ابن عباس رضي الله عنه: (… واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ) أخرجه الترمذي.

إنّ النوم بلا شك نعمة عظيمة، ولا يعلم أهميتها إلا من ذاق الحرمان منها، والعجيب بأنّ الإنسان ينام الساعات الطوال بعد ولادته مباشرة ثم ما تلبث أن تبدأ ساعات نومه بالتقلص تدريجيًّا حتى يكتفي بسويعات معدودة كلما تقدم به العمر وبلغ من الكبر عتيًّا. ومن بحثٍ بسيطٍ بين ثنايا المقالات المنشورة في المواقع الموثوقة تعلمت أهمية أخذ قسط كافٍ من النوم في إنقاذ حياة الكثيرين، فكثيرًا ما سمعنا بسائق شاحنة أو سيارة خسر حياته وحياة من اصطدمت مركبته بهم بسبب النعاس وقلة الراحة.

 وفي المقابل .. قد تُثمر ساعات السهر الطويلة وقلة النوم المنظمة عن إنجازات وإلهامات وإتمام صفقات وبناء مستقبل عظيم، كما هو الحال مع قائدنا المُلهم الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الذي ما فتئ يعمل إلى وقتٍ متأخر كل ليلة ساهرًا على إدارة شؤون البلاد، ومن بعده كل فرد قائم على حراسة الحدود، أو ألزمه منصبه السفر والتنقل من مكان لآخر فتختلف عليه ساعات التوقيت بحسب المكان الذي يمر عليه، أو كانت وظيفته ليلية تتطلب السهر ليلًا والبقاء على أهبة الاستعداد لأي طاريء، فهنيئًا لمن سهر الليالي طلبًا للعلا.

وهناك من تتجافى جنوبهم عن المضاجع خوفًا وطمعًا في ثلث الليل الأخير، فيقف أحدهم بين يدي ربه بخشوع مناجيًا خالقَهُ راجيًا عفوَه ورضاه، وهناك من يفترش الأرض وينصب خيمته في  رحلة برية بين جنبات الطبيعة، ويقضي خلالها الساعات ساهرًا ليتأمّل الجمال من حوله، والنجوم أعلاه، ثم ما يلبث أن يتسلل النعاس إلى جفنيه، فيدخل خيمته ويغط في سُبات عميق.

رسالة أخيرة أختم بها هذا المقال:

عزيزي القارئ.. إذا أصابك الملل من قراءة هذا المقال، ووجدت فيه طاردًا للأرق، ومحفزًا لك على التثاؤب ومن ثمَّ النوم فلا تتردد في استخدامه ونم قرير العين.

بقلم/ مروة الأماسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88