التاريخ يتحدثتاريخ ومعــالم

ابن البيطار مؤسس علم الصيدلة

في أحضان الطبيعة الساحرة بالأندلس، جلس الفتى يتأمل الأشجار والأزهار، وانطلق متجولاً في الغابة، حيث اعتاد أن يُمضي وقته، وأخذ يرسم النباتات التي استولى عليه الفضول بأن يعرف كل شيء عنها، وعلى الرغم من إلمامه بالبيطرة، حرفة والده، فإنه لم يهتم بها بقدر ولعه بهوايته التي أوحت إليه علماً جديداً، قرأه في أوراق النباتات قبل أن يقرأه في أوراق الكتب.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

ابن االبيطار هو أبو محمد عبد الله بن أحمد بن البيطار ضياء الدين المالقي ، وقد ولد في مدينة ملقة بالأندلس في نهاية القرن الثاني عشر ، وقد درس علم النباتات من عالم النباتات أبو العباس النبطي ، وقد بدأ معه ابن البيطار عملية جمع النباتات من جميع أنحاء الأندلس وما حولها .

خلَّدَ التاريخُ إنجازات العديد من العلماء العرب، ويُعَدّ ابن البيطار أحدهم؛ فهو عالمُ النباتات الشهير، والمُلقَّب ب(مُؤسِّس علمِ الصيدلةِ).

وُلِدَ ابن البيطار أبو محمد عبدالله بن أحمد بن البيطار ضياء الدين الماليقي في مدينة ملقا الأندلسيّة في أواخر القرن 12م، وتُوفِّيَ في دمشق عام 1248م، يُذكَر أنّ والد البيطار كان مُختَصّاً بعلاج الحيواناتِ، إلى جانب أنّه كان حدّاداً، وقد حرصَ على أن يتلقّى ولده منه حِرفة البَيطرة، وقد تمّ ذلك فعلاً؛ فعندما بلغ ابن البيطار 10 سنوات من عُمره كانَ قد احترفَ مهنة والده، إلّا أنّه لم يكن يُحبّها، بل كانَ يقضي معظمَ وقته مُتجوِّلاً في الغابة، ومُتأمِّلاً للطبيعة، يجمع المعلومات عنِ الأشجار، والنباتات، والأزهار، ويُدوِّنها، وعندما أدركَ والده ميول ابنه إلى علم النباتات، سعى ليتلقَّى ابنه تعليمه على يد (ابن الروميّة)؛ وهو عالمٌ مُختَصّ بالنباتات، والأدوية، فانتقلَ معه إلى إشبيليّة، وأخذ عنه العلمَ الكثير، ثمّ انتقلَ إلى المغرب، واستقرّ في سبتة؛ حيثُ تلقّى العلمَ فيها على يد أبي الحجّاج، وأخذَ يدرس الكُتبَ اللاتينيّة، وينهل من علومها إلى أن قرَّر أن يسافرَ إلى اليونان التي عاش فيها 7 سنواتٍ.

 كان لابن البيطار تلاميذ استفادوا من علمه وأخذوا عنه، أهمهم أحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة، وإبراهيم بن محمد السويدي الدمشقي، وداود بن عمر الأنطاكي.

ولأن العلم لا يستقر إلا في النفوس الطيبة، فقد اتَّصف ابن البيطار بأخلاق سامية ومروءة كاملة وكرم نفس، واتسم بمميزات اكتسبها من بيئته الأندلسية التي تفوح جمالاً ورقَّةً، فكان ذكياً سريع البديهة متواضعاً، واتسم بالجرأة على النقد والموضوعية، وهي مناقب توَّجت مكانته العلمية، التي جعلت المنصفين يعترفون بعظمة الحضارة العربية الإسلامية، وريادة العرب والمسلمين في مجال الصيدلة، حتى قالت المستشرقة الألمانية سيغريد هونكه: «كل صيدلية ومستودع أدوية في أيامنا هذه، إنما هي في حقيقة الأمر نصب تذكاري للعبقرية العربية».

إسهامات ابن البيطار العلمية

تعتبر أهم إسهامات ابن البيطار العلمية هي كتاب الجامع في الأدوية المفردة ، وهو واحد من أهم وأكبر الموسوعات التي تتناول النباتات الطبية وتأثيرها باللغة العربية وقد احتل هذا الكتاب مكانة كبيرة بين جميع علماء النبات حتى القرن السادس عشر ، فهذا الكتاب عمل  نهجي منظم جمع فيه ابن البيطار اكتشافات وأعمال العلماء السابقين له ولكن جزء كبير منه يعتبر من اكتشاف ابن البيطار بنفسه .

وقد ضم هذا العمل الموسوعي حوالي 1400 عنصر مختلف معظمها نباتات طبية ، ومنهم حوالي 200 نوع لم يكونوا معروفين في السابق ، كما أنه أشار في هذا الكتاب لأعمال 150 من علماء المسلمين الذين سبقوه كما استشهد بكتابات 20 من علماء اليونان القديمة ، وقد ترجمت تلك الموسوعة إلى اللغة اللاتينية عام 1758م .

أما أطروحته الضخمة الثانية فهي كتاب المغني في الأدوية المفردة وهو موسوعة طبية يسرد فيها ابن البيطار جميع الأدوية وفقًا لقيمتها العلاجية ، وهو يتكون من عشرين فصل ويشرح فيها أنواع النباتات ذات الأهمية الطبية في علاج أجزاء الجسم المختلفة ، وأيضًا بالنسبة للعمليات الجراحية حيث نقل عن الجراح المسلم الشهير أبو القاسم الزهراوي ، وقد قام ابن البيطار بإطلاق أسماء يونانية ولاتينية للنباتات بجانب الأسماء العربية وهذا سهل عملية نقل المعرفة .

وتتميز كتابات ابن البيطار بالملاحظة والتحليل الدقيق والتصنيف ، وقد كان لها تأثير عميق في علم النبات والطب في العالم الشرقي والغربي ، وعلى الرغم من كتابه الجامع لم يتم ترجمته إلا في وقت لاحق ، إلا أن الكثير من العلماء الغربيين قد درسوه وأشاروا إليه في كتاباتهم المختلفة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88