التاريخ يتحدثتاريخ ومعــالم

المنصور بن أبي عامر.. ملك الأندلس الذي لم يُهزم بأي معركة

محمد بن أبي عامر هو أحد أهمّ القادة المسلمين في عصر الأندلس، والذي ساهم بازدهار الحضارة الإسلامية فيها، ولأهميّة انتصاراته أطلق عليه لقب “الحاجب المنصور”.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

كانت الأندلس خلال القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي قد بلغت أقصى درجات التحضر خلال حكم الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر)300ـ 350هـ/912ـ961م)، حيث دانت ممالك إسبانيا للأندلس بالخضوع، وفى كنف دولة الناصر، ولد طفل صغير يُدعى محمد بن أبى عامر في قرية “طُرش” التي كانت تقطنها قبيلة معافر اليمنية أقصى جنوب مدينة الجزيرة الخضراء عام (327هـ/ 938م)

وُلد محمد بن أبى عامر يتيم الأب، فكانت أمه تغزل الصوف وترسل ابنها محمد ليبيعه في الأسواق؛ كي يعتاشوا من هذا الغزل، نشأ الصبي مُحبًا للعلم على غرار والده الذي درس الفقه، قبل أن تحل به الوفاة في رحلة علمية قادته إلى طرابلس.

الحياة العلمية وتاريخ محمد بن أبي عامر

الحياة العلمية لمحمد بن أبي عام

ر بدأ محمد بن أبي عامر بدراسة الأدب من خلال أساتذة الأدب في قرطبة حينها وهم أبو بكر البغدادي وأبو بكر بن القوطية، في حين درس الحديث على يد الراوي الشهير للنسائي وهو أبو بكر بن معاوية القرشي، وعندما توفي والده أثناء دراسته، ترك محمد بن أبي عامر الدراسة، وامتهن مهنة كاتب عدل، وقد افتتح دكانًا بجوار قصر الخليفة في قرطبة وبجانب مسجدها الكبير، حيث كان الهدف من هذا الدكان كتابة الرسائل والعرائض لمراجعي القصر.

تاريخ محمد بن أبي عامر

لما بدأ محمد بن أبي عامر بكتابة العرائض لمراجعي القصر، لاحظ من في القصر جزالة وحسن صياغة العرائض، وبعدها عمل محمد بن أبي عامر ككاتبٍ عند محمد بن إسحق، الذي أعجب بنباهة وذكاء محمد بن أبي عامر، والذي ذكر محاسنه لدى الحاجب في القصر جعفر بن عثمان المصحفي، ووقتها، كانت جارية المستنصر بالله قد أنجبت أول ولد للخليفة المستنصر، مما جعله يبحث له عن وكيل، ليرعى طفله ويربيه على محاسن الأخلاق، وبعد ذلك ذَكر جعفر بن عثمان المصحفي الكاتب محمد بن أبي عامر عند الخليفة المستنصر بالله، ووصف له محاسنه وأخلاقه الحميدة، وبعدها أصبح محمد بن أبي عامر وكيلاً لابن الخليفة.

وفور وفاة الخليفة الحكم المستنصر، أصبح ابن أبى عامر واحدًا من صُناع القرار في الخلافة الأموية بالأندلس، وقوى حلمه القديم بالوصول إلى منصب “الحجابة” ، وهو أعلى المناصب في هرم السلطة بعد الخليفة، خاصة أن الخليفة لم يبلغ التاسعة بعد، وكانت أمه من أشد المعجبين بشخصية ابن أبى عامر

.

كانت أول تلك الخطوات هو تحطيم سطوة ” الفتيان الصقالبة”، وهم جنود استقدمهم خلفاء بني أمية في الأندلس من عدة ممالك أوروبية لتشكيل حاشيتهم، والدفاع عنهم، بيد أنهم أصبحوا قوة مُسلطة على رقاب المجتمع الأندلسي، فتخلص منهم بمساعدة الحاجب جعفر المُصحفى، حاجب الخليفة الحكم المستنصر، وبعد أن فرغ ابن أبى عامر من الصقالبة، توجه إلى المصحفى نفسه، فقد كان يرى فيه سببا من أسباب الفساد في الخلافة، فتحالف مع قائد الجيش غالب الناصري، الذي كان خصمًا لدودًا للمصفى حتى تخلص منه

ومع إزاحة المصحفى، جلس ابن أبى عامر على كرسي الحجابة، وصيا على عرش خليفة صغير لا يُحسن التدبير، فاستمال ابن ابى عامر قلوب فقراء الأندلس، بتوزيع الأموال، مُستعينًا في ذلك برواج التجارة، وخزينة الدولة القوية، حتى أصبح دولة داخل الدولة الأموية، وتسمى بالحاجب “المنصور.

نجح المنصور في إدارة شؤون البلاد الاقتصادية، وشهدت البلاد في عهده رواجًا اقتصاديًا وزاد دخل الدولة حتى بلغت الضرائب العادية في أواخر عصره 4,000,000 دينار، بل وبلغت جباية قرطبة وحدها في عهده 3,000,000 دينار

فتح المغرب الأقصى

أرسل الحاجب المنصور أحد قادته واسمه الحسن السلمي ليفتح المغرب الأقصى عام 375هـ، وانتزعها من بين أيدي الفاطميين، وعين الحسن واليا بربريا اسمه الزيزي المغراوي، ولكن «الزيزي» خان الأمانة ولم يؤديها، فاستأثر بحكم المغرب، ولكن داهية قام بإغراء أعوان «الزيزي» بالمال والسلطة، فأعاد المغرب عام 386هـ تحت جناحه بسهولة، فكانت الدولة الأموية بالأندلس بزمن الحاجب المنصور في أكبر توسع شهدته طوال زمن بقائها.

مواقفه في الجهاد

وروى «ابن عذاري» عن نجدته للمسلمين أنه بلغه وجود أسيرات مسلمات لدى جارسيا سانشيز الثاني ملك نافارا رغم أنه كانت بينهما معاهدة تنص على ألا يستبقي جارسيا لدية أسرى من المسلمين، فأقسم أن يجتاح أرضه لنكثه بالعهد، ولما خرج المنصور بجيشه، وبلغ غارسيا خروجه.

وأسرعت رسل جارسيا تستفسر عن سبب الغزو، فأعلموهم بخبر الأسيرات المسلمات، فردّهن «جارسيا» معتذرًا بعدم علمه بهن، وبأنه هدم الكنيسة التي كانت تحتجزهن كاعتذار منه على ذلك، فقبل منه المنصور ذلك وعاد بالأسيرات.

ويقول الدكتور محمد عبد الله عنان، في كتابه «دولة الإسلام في الأندلس»: «كان مقتديًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ، فكان من عادته الحاجب المنصور في جهاده وبعد كل معركة أن ينفض ثوبه، ويأخذ ما يخرج منه من غبار ويضعه في قارورة، ثم أمر في نهاية حياته أن تُدفن معه هذه القارورة؛ وذلك حتى تشهد له يوم القيامة بجهاده ضد النصارى».

ويقول «ابن الاثير»: «كان المنصور بن أبي عامر عالماً، محباً للعلماء، يكثر مجالستهم ويناظرهم، وأكثر العلماء ذكر مناقبه، وصنفوا لها تصانيف كثيرة، وكان حسن الاعتقاد والسيرة، عادلاً، وكانت أيامه أعياداً لنضارتها، وأمن الناس فيها».

وفاته

توفي الحاجب المنصور في 27 رمضان 392 هـ في مدينة سالم، وهو عائد من إحدى غزواته على برغش، التي أصيب فيها بجروح، وكان أوصى بأن يدفن حيث مات، وكان يشتكي علة النقرس، وترك المنصور من الولد اثنين عبد الملك وعبد الرحمن، غير ابنه عبد الله الذي قتل عام 380 هـ،وقد بلغت غزواته التي غزاها بنفسه 57 غزوة، لم يهزم في أحدها قط.

دُفِن في قصره بمدينة سالم ونُقِش على قبره الأبيات التالية :

آثـاره تنبيك عــن أخبـاره حتى كأنك بالعيان تراه

تالله لا يأتي الزمان بمثله أبداً ولا يحمي الثغور سواه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88