أبو جعفر المنصور .. الخليفة المؤسس
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
عُرِف عن أبي جعفر المنصور أنَّه كان خليفة يعمل بكدٍّ، وجدّ؛ فهو لم ينغمس في متاع الدنيا من لَهو، وسُلطة؛ حيث كان يشغل منصبه، وسُلطته للاهتمام بالدَّولة، وشؤونها، كما أنَّه كان على عِلم بقيمة المال، وأهمّيته؛ لذا فقد حرص على أن يُنفق المال فيما ينفع الناس، وكان رافضاً لتضييع الأموال في غير فائدة، وهذا ما جعل المُؤرِّخين يتَّهمونه بالبُخل، كما كان المنصور يهتمّ بالتدقيق على اختيار الوُلاة؛ حتى يستطيع مُتابعة كلّ ولاية في دولته، وكان ينتدب في القضاء، والشرطة من هو أهلٌ لهذه الوظائف، إضافة إلى أنّه كان يُحاسِب كلَّ من يُقصِّر في عَمله.
رغب الخليفة أبو جعفر المنصور في بناء عاصمة جديدة لدولته بعيدة عن المدن التي يكثر فيها الخروج على الخلافة كالكوفة والبصرة، وتتمتع باعتدال المناخ وحسن الموقع، فاختار “بغداد” على شاطئ دجلة، ووضع بيده أول حجر في بنائها سنة (145هـ = 762م) واستخدم عددا من كبار المهندسين للإشراف على بنائها، وجلب إليها أعدادا هائلة من البنائين والصناع، فعملوا بجد وهمة حتى فرغوا منها في عام (149هـ = 766م) وانتقل إليها الخليفة وحاشيته ومعه دواوين الدولة، وأصبحت منذ ذلك الحين عاصمة الدولة العباسية، وأطلق عليها مدينة السلام؛ تيمنا بدار السلام وهو اسم من أسماء الجنة، أو نسبة إلى نهر دجلة الذي يسمى نهر السلام. ولم يكتف المنصور بتأسيس المدينة على الضفة الغربية لدجلة، بل عمل على توسيعها سنة (151هـ = 768م) بإقامة مدينة أخرى على الجانب الشرقي سماها الرصافة، جعلها مقرا لابنه وولي عهده “المهدي” وشيد لها سورا وخندقا ومسجدا وقصرا، ثم لم تلبث أن عمرت الرصافة واتسعت وزاد إقبال الناس على سكناها.
أراد أبو جعفر المنصور أن تنهض الدَّولة العبّاسية بالعِلم، والتعليم؛ ولذلك كتب إلى ملك الروم، وطلب منه أن يبعث إليه كُتب تعليم مُترجَمة، فبعث إليه ملك الروم كُتب الطبيعيّات، بالإضافة إلى كتاب إقليدس، كما أنّه فكَّر في إنشاء مكتبة خاصَّة بالمُسلمين، وأمر بالترجمة من الكُتب غير العربيّة، فبدأت حركة الترجمة في عهده من مُختلف اللُّغات (الروميّة، والفارسيّة، والسريانيّة)، كما طلب من العُلماء، والمُتخصِّصين ترجمة كُتب الطبِّ، والرياضيّات، والفلسفة، ومن أشهر الكُتب التي تُرجِمت في عهده كتاب (كليلة ودمنة)، وكذلك كتاب (السند هند)، وكتاب (أرسطاطاليس).
وفاته
تُوفِّي أبو جعفر المنصور في عام 158هـ، وهو في طريقه نحو مكَّة المُكرَّمة؛ لأداء فريضة الحجِّ فيها، وقد دُفِن في مكَّة المُكرَّمة، عِلماً بأنَّ الحاجب (الربيع) لم يُفصِح عن مَوته حتى أخذ البيعة من قادة بني هاشم للمهديّ، ثمّ أعلن وفاته، وتمّ دَفْنه، ويُذكَر أنَّ آخر ما قاله الخليفة أبو جعفر المنصور قبل وفاته هو: (اللهمَّ بارك لي في لقائك).